محمد الوزان.. أشهر “مُطهّر أولاد” في الرمثا والبادية يحكي قصة الأسرة مع الصنعة (صور)

المرحوم محمد الوزان أثناء العمل
المرحوم محمد الوزان أثناء العمل

زمانكم-

أحمد أبو خليل/ رئيس تحرير زمانكم

محمد الوزان.. المطهر والحلاق والسناناتي

لم يكن امراً اعتيادياً ان تبادر أسرة في قرية زراعية الى اتخاذ الحرفة صنعة لها، وخاصة عندما تتطلب تلك الحرفة شروطاً لا تتصل بعالم الزراعة والفلاحة.

لم يكن اعتيادياً أن تقرر أسرة -أو ربما تضطر- الى التعامل مع ادوات دقيقة تبدو ضئيلة أمام الأدوات المعهودة كالفأس والمحراث، وأن تختار حرفة يكون فيها التعقيم وتوفر الشروط الصحية ودقة الحركات، أموراً أساسية في بيئة الدارج فيها الاختلاط بالطبيعة ومقاومتها وتحديها بما يتطلبه ذلك من غلظة أحياناً.

ابو ظاهر الشامي وابو عبده الوزان

في مطلع القرن الماضي كان قدر الحاج وزان “ابوعبده” أن يتعرف الى “ابو ظاهر الشامي” الذي قدم الى الرمثا وعمل فيها وفي المنطقة المحيطة “مطهر اولاد” وحلاق وغير ذلك من المهن والمعارات المتصلة، وعمل الشامي والرمثاوي معاً لمدة 35 عاماً.

في عام 1939 توفي وزان، فحزن ابوظاهر الشامي كثيراً وغادر القرية عائداً الى بلاده بعد أن أعلن أن “بلد ما فيها ابوعبده لا أسكن فيها”. ولكن العلاقات لم تنقطع بين الأولاد والأحفاد لغاية الآن.

الحاج وزان كان قد اختار أحد أبنائه “محمد الوزان” وعلمه الصنعة، وفي هذا يقول الأخير: “كنت ولداً عاقلاً حسن السلوك والمصلحة تتطلب الدخول الى بيوت الناس ولهذا اختارني أبي لها، كما علمني مهارة خلع الطواحين وغسيل الأذنين والتجبير العربي “.

“كان الطهور في البداية يتم بواسطة الموسى،ثم استعملت المقص، وأخيراً تعلمت الطهور بالكهرباء، وعند هذه المرحلة الأخيرة تدربت على قطعة من اللحم قبل أن أجرب الكهرباء مع الأولاد”.

مارس محمد الوزان مهاراته تلك في بلدته ومحيطها وفي مناطق البادية الشرقية، حيث كان يخرج الى هناك في جولات طويلة الامد نسبياً، وكان يتعين على طالبي الخدمة في كل منطقة ان يرتبوا امورهم كي يستغلوا وجود محمد الوزان بينهم.

صورة قديمة للمرحوم محمد الوزان أخذت عن ترخص العمل
صورة قديمة للمرحوم محمد الوزان أخذت عن ترخص العمل

أجرة المطهر وتبييض شورته

وبخلاف أبيه الذي كان يتلقى اجرته على شكل عيني من محصول الأرض، فإن محمد الوزان تلقى أجوره نقدياً، فابتدأت أجرة الطهور بعشرة قروش ثم ارتفعت الى دينار فخمسة فعشرة دنانير، أما البدو فكانا يعطونه خروفاً كأجرة، ولكن أهمية الحدث في حياة الأسرة يجعلها تكون كريمة اكثر، وذات يوم كما يقول محمد الوزان، عندما كانت الأجرة ديناراً واحداً “طهرت اربعة أولاد لشيخ عند البدو يدعى صياح علوان،فسألني عن الأجرة، فقلت له “مثل الناس” فرد على الفور:باطل! واعطاني خمسين ديناراً”.

ولكن هناك شكلاً إضافياً لأجرة الطهور، فقد كانت العادة أن يطلب من الولد على سبيل التشجيع أن يضرب المطهر كفاً على وجهه، وفي هذه الحالة فإن الأجرة يجب ان تتضمن “شورة” أي غطاء الرأس الأبيض، وفي بعض حالات الضرب تتم مضاعفة الأجرة مع “محرمة حلو” أي قبضة من الملبس.

لكن محمد الوزان يقول أنه كان يقوم بتطهير الولد اليتيم مجاناً، وأحياناً يطهر بالدَّين، وهناك كثيرون لا يدفعون فيتسامح معهم.

لا منافسين

“بقيت الرمثا ساحة خاصة بي لا ينافسني فيها احد، وحدث ذات يوم في عام 1959، ان قدم مطهر سوري من بلدة درعا يدعى “ابو أيوب الدرعاوي” واخذ يتجول منادياً معلناُ انه مطهر اولاد، فذهبت الى اكبر مختار في البلد واهديته كيلو قهوة، وطلبت منه طرد ذلك المنافس فجلبه الى مجلسه وضربه بيد جرن القهوة فهرب”.

تقاليد العمل

يتواصل مطهرو المناطق القريبة مع بعضهم البعض، وقد اشتهر في الشمال “اولاد محسوسة” وهو من قرية كفر خل، و”أولاد الشلبي” الذين قدموا من فلسطين ومارسوا الصنعة في منطقة اربد ومحيطها، رغم أن “الشلبي” هو لقب كل مطهر.

لكن هناك مناطق خاصة بكل مطهر ومناطق مفتوحة للجميع، ولكن يجوز للمطهر ان يقوم بعمله في أي منطقة إذا طلب منه ذلك، أما التجول فله بعض الحدود، ومن المتعارف عليه كتقليد بينهم انه إذا صادف وجود مطهرين اثنين او اكثر في قرية واحدة، فإن الأجرة التي يتم جمعها تقسم بينهم بالتساوي مهما كان العدد الذي طهره كل واحد منهم..

يقول محمد الوزان: ذات يوم كنت في قرية الخالدية في منطقة المفرق، وطهرت 22 ولداً، وبعد أن أنهيت عملي “طَب علي” ابن الشلبي، فأعطيته نصف الأجرة التي قبضتها، وما يزال هذا التقليد سارياً للآن، فمنذ ثلاث سنوات كنت في إحدى قرى المفرق فصادفت واحداً من “اولاد محسوسة”، فقلت له على الفور: لا تخف.. على الاتفاق!

الترخيص

في عام 49/ 50 طهّرتُ جنديا عراقيا في منطقة الاجفور،فحصل معه نزيف، ولما لم تكن لدي خبرة بالنزيف قبض علي العراقيون واوسعوني ضرباً وارادوا نقلي للمحاكمة في العراق، ولكن توسطت لي جماعة عندهم وخرجت بالكفالة، وزرت بعدها أحد المسؤولين في وزارة الصحة وقدمت له هدية وحصلت عن طريقه على ترخيص بتاريخ مسبق.

بعد ذلك وفي عام 1952 تقدمت لامتحان جماعي في الوزارة حصلت بعده على ترخيص خاص بمهنة الطهارة، اما باقي المهارات فامارسها “على عاتقي”. ولكن الناس يتسامحون حتى لو حصلت أخطاء.

ملاحظة: كان محمد الوزان قد قارب من الخامسة والسبعين مستمراً في ممارسة عمله، وقد أراني حقيبة المهنة عندما زرته في 19/ 10/ 2001  وأجريت معه مقابلة مطولة، وقد توفي في أيار 2005، له الرحمة.

قد يعجبك ايضا