زمانكم- أحمد أبو خليل
في عام 2007 نشرت تقريرا عن عمال المياومة في الزراعة في مجلة “المستور” المتخصصة بالفقر التي كنت أصدرها بين 2005- 2012.
زرت حينها محطة ومشتل الوالة في ذيبان، وهو موقع مهم كانت قد انطلقت منه حركة عمال المياومة، وقد التقيت هناك عددا من العمال بينهم كبيرهم عبدالحميد عبدالقادر الشياب الحمايدة (أبو نايل) الذي رحل عنا هذا اليوم 22 نيسان 2022، بعد قصة كدح طويلة. كان عندما التقيته في الثمانين من عمره وكان قد أمضى 53 عاما كعامل مياومة، وقد رحل اليوم عن عمر يزيد عن 95 عاما.
أنقل فيما يلي ما كتبته عنه عام 2007:
أبو نايل: “الشبعان يفت عالجيعان فت بطي”
الحاج ابو نايل قارب الثمانين من عمره، هو ربما أقدم عامل مياومة في البلد عموماً، فقد عمل منذ عام 1954 في مشروع مكافحة الملاريا لمدة 8 سنوات، وانتقل إلى المشتل عند تأسيسه عام 1962 ولا يزال على رأس عمله، ولغاية الشهر الماضي فإن راتبه كان 90 دينارا.
كان ابو نايل يقيم في غرفة حجرية قديمة مقامة على طرف السيل، ولكنه منذ 5 سنوات انتقل إلى قرية مليح نظرا لحاجة الأولاد إلى الاقتراب من المدارس. وهو متزوج منذ أيام «حرب الستة» على حد تعبيره وعنده 4 شباب و6 بنات.
يقول أنه كان يتلقى في مشروع الملاريا راتبا مقداره 25 دينارا وفي المشتل انخفض راتبه مع بدء العمل إلى 12 دينارا ثم أخذت الزيادات «تنهال» عليه إلى أن أصبح 90 دينار ولغاية شهر كانون ثاني من عام 2007 حيث استلم أعلى راتب وهو 120 دينار قبل الاقتطاعات.
يعتمد في تنقله على حمار يحضره معه يوميا إلى موقع العمل، فالاجرة إلى بلدة «مْليح» 30 قرشا يوفرها بالاعتماد عل الحمار.
ومع ذلك فإن ابو نايل لا يشكو كثيرا، فهو يضع اللوم على نفسه لأنه لا يعرف القراءة والكتابة، مع أنه يقول أنه ابن صنعة الزراعة ويعرف بها ويتعلم منه المسؤولون عنه فهو يقول أنه بالممارسة عرف كل شيء بينما «هذول الخَطّيّة» أي (جماعة الكتابة والخط) لا يعرفون شيئا في العمل.
عندما قلت له عن مشاركته بالاضراب سارع للقول انه لا يُضرب بل يطالب بحقه وهو ليس ممن يضربون عن العمل! ويؤكد أنه لم يتوقف يوما عن المطالبة بظروف أفضل، لكن المسؤول الذي يحضر للموقع يقول: «خليكوا بهذه الجورة غيركو مش لاقي شغل» ويضيف أن من يقعد «على كرسي فرّار» لا يشعر بنا ثم يستأنف بالمثل الشعبي ذي الدلالات العميقة: «الشبعان يفت على الجيعان فت بطي».