زمانكم-
في دورته لهذا العام (2018) اختار مهرجان الفحيص المرحوم شاهر أبو شاحوت (رئيس الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأردنيين الأحرار) كشخصية العام واحتفى به في لقاء كبير تحدث فيه الدكتور هاني الخصاونة والأستاذ بلال التل والسيدة بشرى شاهر ابو شاحوت (الابنة الصغرى للمرحوم)، وادار اللقاء ياسر عكروش رئيس المنبر الثقافي في المهرجان.
فيما يلي نص الكلمة المميزة التي ألقاها الدكتور الخصاونة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها الأخوات المحترمات أيها الأخوة المحترمون
نحن في مدينة الفحيص الغالية التي أقسم بها شاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل…..
عبود يا ناعي النهار على المآذن في العشية
قسماً بماحص والفحيص وبالطفيلة والثنية
وبمن شقيت بهن وهي بأهلها مثلي شقية
ليس الهدى وقفاً على فئة الشيوخ الأزهرية
نحن في مدينة الفحيص شقيقة السلط وابنة البلقاء التي احتضنت منذ أكثر من عام رفاة المناضل الأردني اللامع ناهض حتر وعلى بعد بضعة كيلومترات من مثوى ناهض تستقر بقايا من كيان وروح وصفي التل شهيد الأردن وفلسطين الذي أغتيل مظلوماً تحت يافطة أنه مناهض لتحرير فلسطين وهو الذي أوقف حياته وعقله وخبراته لمجابهة العدو الصهيوني …. ونحن في الفحيص وعلى بعد كيلومترات معدودة أيضاً تستقر في مقبرة السلط وتذوب في ترابها بقايا المجاهد الأبي وقائد تنظيم الضباط الأردنيين الأحرار شاهر يوسف أبو شحوت ابن عشيرة الجزازية الكريمة التي أنجبت عدداً من أبرز أهل النخبة في الأردن لهم جميعاً منا الدعاء بالرحمة ورضوان الله تعالى وبعد،
أصارح هذا الجمع الطيب الليلة بأنني منذ ثلاث سنوات اتجنب المشاركة في المناسبات العامة وأعتذر عن المساهمة بالندوات التي تفيض علينا من مئات إن لم يكن آلاف وسائل الإعلام التي تتعاقب أضواءها وبرامجها على أفهامنا لتتولى تخدير عقولنا وتغيير الأولويات لدى المشاهد العربي، فبدلاً من التركيز على حقوق الأمة الثابتة في فلسطين والوحدة واحترام الشعب والحث على التنوير ينحرف التركيز والإهتمام إلى إغراق المشاهد العربي وإشغاله بالاستماع إلى تحليلات محللين وخبراء (استراتجيين وتكتيكيين) لم يسمع بهم أحد من ذوي الإختصاص ينهالون علينا بالغثاء الذي لا يمكث في الأرض ولا ينفع بل يزعزع وجدان المواطن العربي ويمهد لأستيلاء اليأس والقنوط عليه.
أقول هذا توضيحاً لمشاركتي في هذه الأمسية وتشرفي بلقائكم وذلك عندما أتصل بي الأخ ياسر عكروش طالباً مني المشاركة في ندوة محتفية بالشخصية الوطنية المرموقة شاهر يوسف أبو شحوت فلم أستطع التمسك بقراري بالإحتجاب عن الأضواء والندوات ذلك أن المحتفى بذكراه نجم ساطع وكوكب دري وصورة حية لطبيعة أهلنا الطيبة في أردننا العربي العزيز. وها أنا بينكم لأحدثكم عن قائد تنظيم الضباط الأردنيين الأحرار حديثاً تتناثر وتتكثف فقراته ويتدخل الوقت ليفرض الإيجاز في السرد والتوصيف فيه وسأتناول سيرة هذا القائد الوطني الفذ معتمداً على مذكرات كتبها أبان مرضه ومعتمداً على علاقة محبة واحترام ربطتني به تعززت حينما قدم شاهر أبو شحوت إلى موسكو عام 1978 للعلاج موفداً من قبل الرئيسيين المرحومين أحمد حسن البكر وصدام حسين وحين علم المرحوم الملك الحسين بمرضه ووجوده في موسكو أمر برعايته وأبدى أصفى مشاعر المحبة تجاهه وكنت حينها سفيراً للأردن لدى الإتحاد السوفيتي وازدادت مع الأيام صلتي به واقترنت بالإعجاب به وتوثقت بالمحبة والتقدير لهذا الرجل الكبير ولزوجته الفاضلة السيدة لميهة تحبسم وبناته الماجدات منى وسحر وسهى وغادة ورائدة وبشرى اللواتي أشعن في بيت شاهر دفء الإستقبال والمودة وعفة اللسان وحب الناس والتمسك بالعروة الوثقى.
- تتسم مذكرات شاهر أبو شحوتأنها مكتوبة بخط اليد وتتميز الصفحات الأولى بأناقة الخط وجماله بينما يتأثر الخط بالصفحات التالية بحالة شاهر المرضية ووطأة الشلل عليه.
- تتميز هذه المذكرات بالتلقائية والصدق وهي تاريخ موثوق للحركة الوطنية الأردنية وتسجيل أمين لأهم حدث في حياة الأردن السياسية الحديثة الذي تم يوم الأول من آذار عام 1956 عندماأعفى المغفور له الملك حسين الجنرال كلوب باشا والضباط الإنجليز من مهامهم في الجيش الأردني واستبدلهم جميعاً بضباط أردنيين من تنظيم الضباط الأحرار. ويلفت النظر في مذكرات شاهر أبوشحوت وعيه على التركيب الإجتماعي للجيش الأردني وعلى عمق ولاء أبناء شرق الأردن لفلسطين ووعيهم على أن القضية الفلسطينية هي السبب في تكوين منظمة الضباط الأحرار منذ علم 1950 عندما كان اسمها التنظيم السري للضباط الوطنيين الذي يهدف إلى تعريب الجيش وإقامة وحدة عسكرية مع سوريا ولم يقتصر أثر إغتصاب فلسطين على الأردن وحده فقد عمت النقمة الوطن العربي كله وخاصة بلاد الشام العربية وامتد السخط إلى الجيوش العربية وباشر ضباطها التدخل في أمور الدولة والمشاركة في رسم سياساتها تجاه إسرائيل.
- يأسر شاهر في مذكراته القارئ العربي وخاصة الأردني بروح الإنصاف والمرؤة واحترام الآخر التي يمتلكها هذا القائد المتميز فلم يأت على ذكر اسم أحد من زملائه إلا وأحاطه بالاحترام ولم يخون أحداً أو يطعن باسم وأعلن بكل جرأة وصدق ودون أن تمنعه سنوات السجن الطويلة من إنصاف الملك الحسين فأختتم مذكراته بما يلي… ” أقول للحقيقة والتاريخ وللأجيال القادمة لولا وجود الملك الحسين وما يتحلى به من وطنية صادقة وشجاعة نادرة لما قدر لنا أن ننجح دون أن تراق قطرة دم واحدة في عملية تعريب الجيش الأردني بتاريخ 1/ آذار / 1956 “.
- تكشف المذكرات عن طاعة صادقة من شاهر لضميره فلا يحجب قناعته وأحاسيسه تملقاً لشخصية أو بحثاً عن مكسب مادي فيأتي على ذكر أبناء جيل التأسيس الأوائل في جيش الأردن بالخير ولا يترك هو وأخوانهفي الهيئة التأسيسية قائداً إلا ويفاتحونه بضيقهم من الضباط الانجليز ومن دور بريطانيا المعادي لللآمال العربية ويجد الأردني في هذه المذكرات ما يحببه بذلك الجيل من ضباط الأردن وينصفهم و يفتخر بهم سواء من واصل مع الضباط الأحرار أو من واصل مع الدولة الأردنية بعد أن تغيرت الظروف والقوى والتحالفات وتبدلت طبقاً لذلك مواقف الأشخاص وأدوارهم في سياسة الأردن بعد التعريب واختلاف دروب المسيرة.
- مر تنظيم الضباط الأحرار بعدة مراحل أطولها المرحلة الممتدة من عام 1952 وحتى عام 1957 حيث استقرت الهيئة التأسيسةللضباط الأحرارتنظيمياً وتشكلت قيادتها وبالإنتخابات على الصيغة التالية:
- رئيس الهيئة شاهر يوسف أبوشحوت
- نائب الرئيس قاسم الناصر الخصاونة
- سكرتير أحمد زعرور
- أمين صندوق تركي الهنداوي
أعضاء :
- محمود المعايطة
- ضافي الجمعاني
- نذير رشيد
- شوكت السبول
- مازن العجلوني
- غازي العربيات
- عبدالله قاعد
– مناصرون ومؤيدون من رتب مختلفة موزعون على كافة أسلحة الجيش من مختلف الرتب.
6. حبا الله جل جلاله شاهراً بسمت مميز وطلة حافلة بالسماحة والرزانة ومحيا يشع المودة والدفء ويختصر المسافات في تقريب القلوب لبعضها….. يروي شاهر عن علاقة صداقة نشأت إبان بداية حياته العسكرية بينه وبين عائلة عربية فلسطينية تقيم قريباً من مستعمرة صهيونية وكيف استفز سكان المستعمرة المواطنين العرب من جيرانهم الذين لم يكن لديهم سلاح آنذاك وكيف هب شاهر بمسدسه يطلق النار على فلولهم التي توارت داخل المستعمرة فما كان من الجار أبو حبيب المسيحي العربي الذي شعر أن طلقات شاهر ردت له اعتباره وكرامته فأخذ يصيح جبرت خاطري يا شاهر وإن اسمك لدي من الآن أبو جبار بكل ما تنطوي عليه كلمة الجبار من إيحاء بالقسوة والعبوس وغلظة القلب التي لم تكن من صفات شاهر.
أما الواقعة الثانية التي يجب أن تروى لدلالتها المؤثرة فهي كما وردت على لسان شاهر ( …. بعد اطلاق سراحنا عام 1962 استدعاني ذات يوم المرحوم وصفي التل وكان رئيساً للوزراء وحينما ذهبت إليه تلقاني معانقاً ومرحباً بحرارة وجلس بقربي على أحد المقاعد الوثيرة في مكتبه وقال لي أنا كنت في السجن المركزي عندما كان والدك مديراً للسجن ولما أطلق سراحي استدنت من والدك مبلغ سبعين جنيهاً لأسافر إلى فلسطين وألتحق بقوات المتطوعين العرب في الجيش البريطاني ولم يقل لي والدك يرحمه الله أنه يملك هذا المبلغ وإنما ذهب إلى جميل الصالح حتر واستدانه منه وقدمه لي عن طيب خاطر وترك لي أمر السداد إلى أن أكون قادراً على ذلك . وها أنا ذا مدين لك الآن وأريد أن أرد لك الجميل فاطلب أي مبلغ تحتاجه … شكرته من أعماقي وأنا أعجب لهذا الوفاء النادر وأكدت له إنني لست محتاجاً لشيء )
- كان للأستاذ مازن الساكت موقع خاص في قلب خاله شاهر ومازن وفي أبي بادل خاله محبة معززة بالدم ومازن مطالب بنشر هذه المذكرات وتنقيح ما يستدعيالتنقيح منها.
8. أخيراً لقد غيب الموت العدد الأكبر من هذا التنظيم ورئيسه المرحوم شاهر وعزاؤنا أن الموت حق والحياة وديعة مستردة وأن قيمة الحياة هي في الرسالة التي يؤديها الإنسان في حياته وفقيدنا شاهر أوقف حياته من أجل فلسطين والأردن وأمته وشاركه في السير على هذا الدرب حتى الاستشهاد رفاق كثر …. شاركه وصفي وناهض من الرموز الوطنية الباسلة التي أدعوكم للوقوف تحية وتقديراً لعطاءهم وعرفاناً بمكانتهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته