زمانكم-
في منتصف عشرينات القرن الماضي، في السنوات الأولى لتشكيل سلطة مركزية بقيادة الأمير وبإشراف الانجليز، كان الصراع السياسي الاجتماعي يتصاعد، وكان الخلاف مع الزعامات المحلية ظاهرا ومعلنا في كثير من الأحيان.
فيما يلي نقرأ رسالة موجهة من عبدالقادر التل، أحد أبرز زعماء اربد، ورئيس بلديتها (أصبح فيما بعد رئيسا لمجلس النواب)، موجهة للأمير عبدالله. وتاريخ الرسالة هو 11 شباط من 1925 وقد اختار أن تكون الرسالة “مفتوحة”، فأرسل نصها للنشر في صحيفة “الكرمل” التي كانت تصدر في فلسطين وكانت مهتمة بالشأن الأردني بشكل واضح. (تطالعون في الأسفل صورة الرسالة كما نشرتها الكرمل).
يشتكي عبد القادر التل من التضييق الذي كانت الحكومة (حكومة علي رضا الركابي) تمارسه عليه وعلى كثير من المعارضين.
يقول التل إنه وقّع مع الزعماء والمشايخ على مجموعة من المطالب وهي:
- تأسيس مجلس نيابي.
- ترجيح الأكفاء للوظائف من أبناء المنطقة.
- سن قانون وتشكيل مجلس يعود إليه مسؤولية النُظّار.
- عدم مداخلة الأحزاب وحل حزب أم القرى.
(ملاحظة توضيحية: كلمة النظار في المطلب الثالث تعني مجلس النظار أي الحكومة. أما “حزب أم القرى” فهو الحزب الذي أسسه رئيس الحكومة الركابي ضم فريقه المناوئ لجماعة الاستقلاليين الذين كانوا في سدة الحكم آنذاك).
يواصل التل في رسالته شرح ما تعرض له من مضايقات بسبب تلك المطالب، ويقول: “أخرِجتُ رغما عني من العاصمة، كما أُخرِج غيري من المطالبين بهذه الحقوق. وبعد وصولي إلى بلدي (اربد) ما شعرت إلا وكيل الحاكم الإداري السيد توفيق سنو، مترصدا لإيقاعي في جرم ما وكل ما يمس بشرفي ويوجب إهانتي. فجاء على حين غفلة مع الجند ليلا بعد الساعة الثالثة والنصف وأحاط بيتي وما شعرت إلا والشرطي عبدالقادر القط يدخل بيتي بصورة مخالفة للقانون… وكان عندي آنئذ ضيفا، سليمان باشا السودي (الروسان وهو أيضا من زعماء المنطقة) فأخذه الشرطي وأخرجه من بيتي وسلمه لوكيل الحاكم الواقف بباب داري مع الجند المسلح. وفي اليوم التالي أخذتُ بواسطة الدرك تحت السؤال والجواب. وفي الليلة الثانية جاء عندي جندي مسلح ووقف بباب بيتي ومنع الخروج منه، وعقبه بعد الساعة الثالثة ليلا الوكيل المومأ إليه بقوة مسلحة، وأخرج مَن كان ساهرا في داري من أهل القصبة، كما هي العادة. وفي صباح اليوم الثالث، مع شروق الشمس أرسل جنديا مسلحا اوقفه بباب داري ومنع الخروج منها حتى أتى بعد ذلك وكيل الحاكم مع هيئة وأجرى التحريات في بيتي عن وجود أوراق بدون أن أعلم الأسباب الموجبة لذلك، وحتى الآن بيتي تحت المراقبة. ولم يكتف الوكيل الموما إليه بهذا بل إني في الأسبوع الماضي ذهبت إلى الغور لرؤية أغنامي، فأعطى الأوامر المشددة لحاكمية الغور بإلقاء القبض علي وإعادتي مخفورا للمركز. ولما عدت إلى اربد قبل تنفيذ ذلك الأمر، استحضرني فورا بقوة الشرطة واستجوبني بصورة رسمية عن سبب ذهاب لعند أغنامي في الغور، وبعد أن بقيت في دائرة الشرطة تحت النظارة خمس ساعات لم يسمح لي بالخروج إلا على شرط أن أقدم كفيلا بعدم مبارحتي بلدتي وخروجي منها لمحل ما، ولأجل التخلص من هكذا معاملات جاءني مصطفى أفندي حجازي وكفلني على ذلك، وفي اليوم التالي من هذه المعاملة، أبلغتني دائرة الشرطة أن أدفع مئتين وعشرة غروش مصرية (العملة المستخدمة آنذاك في الأردن) جزاء نقديا ومصايف محاكمة، بسبب ذهابي للغور، بداعي أن ذهابي هذا كان مخالفا لتنبيهات الحكومة، مع انني لم أعلم لي ذنبا ولم يحكم على بجرم يقضي بإقامتي في بلدتي وعدم خروجي منها. وخشية من السجن دفعت المبلغ.
ولما كانت هذه المعاملة التي أجريت بحقي تدل على إماتة الشعور وإرهاق كل من يطالب بالحقوق عامة أو خاصة، كما وقع ذلك على الكثير من أفراد هذه المنطقة من الذين يطالبون بحقوقهم أو ينتقدون الأعمال التي لا تقبلها العدالة. (ثم يذكر بالأسماء عددا من حالات التضييق على من طالبوا حتى بحقوقهم الخاصة).
ويختم بما يلي:
يا سمو الأمير… إن هذه الأعمال يقصد منها أن يكون الأهالي (صم بكم عمي) أذلاؤ خاضعين لكل غدر يقع عليهم، وأن لا يطالب أحد بحق ما، حتى صار كل من يرفع ظلامته للمقامات، لا ينال سوى الحبس والضرب والقصاص، او يتهم بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، لإماتة الشعور الحي.